6‏/6‏/2010

اسمها أمل / قصة



1

إسمها أمل. خرجت من دار القضاء العالي حيث تعمل موظفة ربما أو شيئ كهذا لتعول أسرتها؛ أب، وأم، وأخان، وأخت صغيرة تبكي. إنتقلت عدة مرات بين الرصيف هذا والرصيف الآخر من شارع سعد زغلول بحثًا عن حذاء غالي وجميل، لكنها وجدت أن محلات بيع الأحذية في ذلك الشارع محدودة ومعظمها يبيع الأحذية الرخيصة وهي تتمنى حذاء غالي وجميل، تتمناه منذ ستة أشهر أو يزيد، فقد كانت توفر له جزء كبير من راتبها كل شهر، فكرت في أن تذهب إلى شارع صفية زغلول ربما تجد هناك الحذاء الذي تتمناه، بالتأكيد ستجده هناك فهي تعرف أن هناك محلات ثمينة تبيع الأحذية الأصلية غالية الثمن الجميلة، لكن حرارة الشمس كانت توحي لها بأن تعود إلى موقف الأوتوبيس حتى ترجع إلى بيتها وتعاود البحث عن الحذاء في يوم الاجازة، إلا أنها قالت لنفسها :
- سأذهب لأشتري وبعدها آخذ تاكسي حتى البيت، فالحرارة قاتلة واليوم نهاية الشهر وجل ما أخشاة أن يسرقنى لص في الأوتوبيس.

إنها فكرة مرعبة حقًا كيف ستقضي الشهر هِيَ وأسرتها إذا ضاع المرتب الذي قبضته منذ ساعة، أرهقتها الفكرة غير أنها كانت تميل أصلاً لشراء الحذاء اليوم قبل غدًا، فقالت هامسة لنفسها :
- لا، لا، سأذهب لأشتري وبعدها آخذ تاكسي حتى البيت.

ذهب إلى شارع صفية زغلول وفي أوله وجدت محلاً كبيرًا فخمًا له واجهة زجاجية رهيبة، وقفت أمامها تتأمل الأحذية حتى سقط طرفها على ذلك الحذاء الصيفي الجميل؛ حذاء نصف كعب أسود وبه نقوش حمراء، استحوذ الحذاء على إهتمامها فراحت تتأمل دقائقة وتمعن النظر في صنعته وظلت تدور حولة بنظرها وَهِيَ تحاول أن تقرأ نوع الماركة المكتوبة عليه. دخلت المحل وطلب مقاس 37 من ذلك الحذاء، أحضرته لها البائعة وساعدتها في لبسه ولف أشرطته على مقدمة ساقيها، وقاتلت لها :
- كم هُوَ جميل الحذاء في قدميك.

قامت أمل وَمَشِيَت بضع خطوات على أرضية المحل الباركية، ونظرت لقدميها في المرآة العملاقة الموضوعة على مستوى الأرضيه وتأكدت من جمال الحذاء في قدميها، وطارت، إلى الخزينة تدفع ثمن الحذاء. شكرت البائعة ونفحتها إكرامية مناسبة واستلمت الحذاء داخل كيس بلاستيكي قَيّمٌ مكتوب عليه إسم المحل بخط أنيق. خرجت ولم تشعر بحرارة الجو القاسي بعد أن كانت في جو المحل اَلمُكَيَف، كانت تمشي مبتهجة وكأنها تقول للعالم :
- انظروا، لقد أشتريت حذاءًا غاليًا وجميلاً من ذلك المحل الراقي في أول الشارع.

وإنحدرت إلى طريق الكورنيش حتى تستقل تاكسي. كانت تشير لسيارات التاكسي بثقة، وكانت تبدوا جميلة، مستمتعة بنظرات المراهقين والرجال لها، سمعت فتًا مراهقًا يهمس لصديقة :
- أنظر، إن لها مؤخرة رائعة تحملها ساقان جميلتان .. آآه.

كان قلبها يَرِفّ فكادت تطير. حتى رأت الأوتوبيس؛ فتركت معجبيها، ونسيت أمر التاكسي، ولم تهتم بأمر حرارة الجو أو تخشى لص الأوتوبيس، لم تشعر بنفسها إلا وهِيَ تدفع ثمن التذكرة، وتبحث بناظريها عن مكان لقدميها بجوار أحد النوافذ، انتبهت لذلك الصوت الهادئ المهزوز :
- تعالي إجلسي هنا يا آنسة.

إبتسمت إبتسامة واثقة، وشكرت الشاب بالفرنسية رغم أنها لم تكن معتادة على الكلام بأي ألفاظ غير عربية. جلست وأسندت رأسها على النافذة. تركت الزحام والضجيج والدخان وراحت تفكر؛ فكرت في ذلك الشاب الخجول الذي كان ينتظرها كل يوم على محطة الأوتوبيس مبكرًا وهي ذاهبة إلى العمل ينظر إليها حتى تركب دون أن يتكلم معها، وفكرت في جارها الذي تحبه وتشعر بأنه يميل لها أيضًا رغم أنه يصغرها بثلاث سنوات على الأقل، وفكرت في الزواج من رجل ثري يُقَدِرُ جمالها ويكفل أسرتها ويرحمها من الشقاء في العمل، ورأت نفسها ترتدي فستان زفاف وطرحة بيضاء وحذاء راقي له كعب عالي وَهِيَ تمسك بيد عريسها وقد ملأت الموسيقى المكان، ويفتح لها عريسها باب السيارة الحمراء لتركب في المقعد الخلفي وتسير سيارتها في مقدمة صف طويل من السيارات وقد شق السماء أصوات الزغاريد، وكلاكسات السيارات، وأصوت طلقات نارية مدوية، وفرقعات، وانفجار، ولا شيئ.

2

فتحت أمل عينيها على أربع عيون دامعة حزينة وعين صغيرة تبكي بجوار سريرها، التفتت حولها فرأت عائلات أخرى تلتف حول سراير أُخَر، وجوم، وهمهمات، وكآبة، والحزن هُوَ سيد المكان :
- أين نحن، ولماذا تبكون ؟
- نحن في المستشفى يا إبنتي.
- ولماذا نحن في المستشفى، هل حدث لي شيئ ؟
- لا تقلقي يا حبيبتي، فالضحية الوحيدة في الحادث هِيَ السواق وقَد فَقَدَ حياته.
- أي حادثة ..؟! لقد تذكرت، كانت هناك زغاريد، وكلاكسات سيارات، وأصوات طلقات نارية مدوية، وفرقعات، وإنفجار، ثم لا شيئ، أين حذائي، كان معي حذاء جميل أسود وبه نقوش حمراء، أين هُوَ، هل وجدتموه ؟

بدا الجزع على الجميع وراحت الأم تنتحب، وراحت هِيَ تنظر لهم مندهشة :
- كل هذا من أجل حذاء ؟ سأشتري غيره بعدما أخرج من المستشفى.

وبدلا من أن تراهم يهدأون، وجدت جزعهم يزداد وينفجرون في البكاء، ونحيب الأم يعلوا بشكل كئيب بشع، فأغتاظت أمل وراحت تسأل مرة أخرى :
- كل هذا من أجل حذاء ؟!
- لا يا إبنتي، إننا لا نبكي من أجل الحذاء، بل نبكي لأنك لم تعودي في حاجة إلى لبس حذاء.

تجمدت أمل، ومدت يدها تتحسس موقع رجليها. صرخت، وزلزلت القلوب، ولا شيئ.


--------------------
12 مايو 2010

10‏/5‏/2010

المشهد / قصة

كنت تحب المطر. وتحب الخريف. وتحب الجلوس في الحديقة نهارًا على الكرسي الخزفي، وفي المقهى ليلا على الكرسي الخشبي، وتعود إلى بيتك وحذائك مبتل من ماء المطر اَلمُتَكَوِنّ على أرصفة الشوارع المظلمة إلا من ضوء القمر والضوء الخفيف المنبعث من بعض النوافذ. وكنت تحب أن تُشعِلَ الحطب في المدفئة، وتذهب إلى النافذة الجافة، ويظل وجهك الشاحب المزروع بالشَعر الأسود ملتصقًا بزجاجها أطول فترة ممكنة حتى يتعكر صفوها، فتتذكر إلهك، وتتذكر حبيبتك الصغيرة، وتراها وهي تَمُرّ أمامك، تسير متمهلة على الرصيف المقابل وتضم حقيبتها مُنَكِسَةُ رأسها كأنها تبكي على طفلتها الميتة بين ذراعيها أو كأنها تقول للعالم أجمع :

- أنظروا كم أنا حزينة، كم أنا حزينة أنظروا.

وتذهب أنت لتشاهد المشهد. كان المشهد مهيبًا عندما سقط البطل على الأرض بعد أن علا زئيره بإسم حبيبته. وكنت أنت تتابع المشهد بنفس اللهفة التي تابعته بها في اَلمَرَّةِ الأولى. وكنت تعود إلى النافذة الجافة، ويظل وجهك الشاحب المزروع بالشَعر الأسود والأبيض ملتصقًا بزجاجها أطول فترة ممكنة حتى يتعكر صفوها، فتتذكر إلهك، وتتذكر حبيبتك الصغيرة، وتراها وهيَ تَعبُرّ الطريق وحدها أو مع غيرك ربما، فتنادي عليها من الدور الرابع، وتصرخ :

- عودي يا حبيبتي الصغيرة، يا حبيبتي الصغيرة عودي.

وتتأمل آخر ذرة من حبيبتك في الزحام، لكنك لا تُصَدِقّ أنها ذهبت إلى الأبد، لا لشيئ إلا لأنك كنت تتمنى أن تضع لها إخلاصك في حقيبتها. لكنك أدركت بعد فوات الأوان أن صراخك من الدور الرابع درب من الجنون. فكنت تعود إلى المدفئة وتكتب رسالة إلى إلهك، ورسالة إلى حبيبتك الصغيرة، وتضع بدل الطابع ورقة من روحك المشروخة، وتلصق الرسالة بماء الندم وقليل من الدموع. ويأتي الصباح، وتشرق الشمس قليلا قليلا فتشعر بالدفء قليلا قليلا، وتهوى على الكرسي بجوار المدفئة، وتنام.


--------------------
24 ابريل 2010

9‏/4‏/2010

قَصْاقِيص مُرْسِي : 1

• الحق الحق أقول لكم :

- الرومانسية هيَ أسوأ ما توصل له القلب البشري .. كم أتمنى لو أكن ماديًا حقيرًا مثلهم؛ حتى يتسنى ليَ العيش بينهم.

- من الرائع أحيانًا، أن يدخُل مفتاح الحياة إلى قُطب بابها، يؤدي مهمته التي جُبل عليها في هدوء ومن دون عربدة.

- أحيانًا يحتاج الرَجُل أن يَرّكَن إلى إمرأة؛ تقوده هيَ فيَ بعض أموره.

- تبًا لهم؛ لا يعرفون أن الحُب والسعادة أشياء غير مشروطة.

- الحُب كالماء والهواء.

- بعض الحُب سم لا ترياق له إلا هوَ.

- عندما تضحك المرأة على دعاباتك التى تبدو تافهة أو سخيفة، وعندما تسألك أسئلة تبدو تافهة أو سخيفة، وعندما تطلب أن تساعدها فى أشياء تبدو تافهة أو سخيفة؛ فأعرف أنها تحبك.

- علمتني الخطيئة؛ أنها أول درجة يصعدها المرء للسقوط، ويالغبائي مازلت أسقط.

- الفراغ وقلة الأدب وجهان لعملة واحدة.

- إنه غِرٌ ساذج، يا عيني عليه؛ فهو لا يستطيع أن يُفرّق بين المُخلِص وإبن الكلب.




• وعن الكُتب أقول لكم :

- عزازيل : من أعظم الأعمال التي قُدمت في الفترة الأخيرة، كما أنها تستحق أن توضع مع [ الأناجيل المحرمة والكتب الممنوعة ] كما وضعها (هيبا) الراهب من قَبل.

- يوتوبيا : تقرأها فيصيبك الذهول ويختلط عليك الخيال بالواقع، فلا تعرف أين أنت، وربما تجهل مهمة حياتك.

- فيرتيجو : هي الرواية المشهورة التي تحكي عن المصوراتي الذي كشف الجريمة، إنها رواية رخيصة، رخيصة فى محتواها رغم أن سعرها خمسون جنيهًا.
"من وحيّ كلام : أحمد خالد توفيق"

- الألفين وستة : تقرأها فتجد نفسك أمام فكرة جيدة، ولغة جديدة تمتزج فيها العامية بالفُصحى مزيج حلو ومُبَرَر، لكنك لا ترى أبدًا أي مُبَرِر لإستخدام أقبح ألفاظ الشوارع.

- شجرة وأربع لمونات : حدوتة ريفية غير موزونة ولا تنتمي للأدب.