10‏/5‏/2010

المشهد / قصة

كنت تحب المطر. وتحب الخريف. وتحب الجلوس في الحديقة نهارًا على الكرسي الخزفي، وفي المقهى ليلا على الكرسي الخشبي، وتعود إلى بيتك وحذائك مبتل من ماء المطر اَلمُتَكَوِنّ على أرصفة الشوارع المظلمة إلا من ضوء القمر والضوء الخفيف المنبعث من بعض النوافذ. وكنت تحب أن تُشعِلَ الحطب في المدفئة، وتذهب إلى النافذة الجافة، ويظل وجهك الشاحب المزروع بالشَعر الأسود ملتصقًا بزجاجها أطول فترة ممكنة حتى يتعكر صفوها، فتتذكر إلهك، وتتذكر حبيبتك الصغيرة، وتراها وهي تَمُرّ أمامك، تسير متمهلة على الرصيف المقابل وتضم حقيبتها مُنَكِسَةُ رأسها كأنها تبكي على طفلتها الميتة بين ذراعيها أو كأنها تقول للعالم أجمع :

- أنظروا كم أنا حزينة، كم أنا حزينة أنظروا.

وتذهب أنت لتشاهد المشهد. كان المشهد مهيبًا عندما سقط البطل على الأرض بعد أن علا زئيره بإسم حبيبته. وكنت أنت تتابع المشهد بنفس اللهفة التي تابعته بها في اَلمَرَّةِ الأولى. وكنت تعود إلى النافذة الجافة، ويظل وجهك الشاحب المزروع بالشَعر الأسود والأبيض ملتصقًا بزجاجها أطول فترة ممكنة حتى يتعكر صفوها، فتتذكر إلهك، وتتذكر حبيبتك الصغيرة، وتراها وهيَ تَعبُرّ الطريق وحدها أو مع غيرك ربما، فتنادي عليها من الدور الرابع، وتصرخ :

- عودي يا حبيبتي الصغيرة، يا حبيبتي الصغيرة عودي.

وتتأمل آخر ذرة من حبيبتك في الزحام، لكنك لا تُصَدِقّ أنها ذهبت إلى الأبد، لا لشيئ إلا لأنك كنت تتمنى أن تضع لها إخلاصك في حقيبتها. لكنك أدركت بعد فوات الأوان أن صراخك من الدور الرابع درب من الجنون. فكنت تعود إلى المدفئة وتكتب رسالة إلى إلهك، ورسالة إلى حبيبتك الصغيرة، وتضع بدل الطابع ورقة من روحك المشروخة، وتلصق الرسالة بماء الندم وقليل من الدموع. ويأتي الصباح، وتشرق الشمس قليلا قليلا فتشعر بالدفء قليلا قليلا، وتهوى على الكرسي بجوار المدفئة، وتنام.


--------------------
24 ابريل 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق